الدكتور محمد الجزيراوي
لئن شهد الاهتمام بالصناعات التقليدية في الوطن العربي قفزة نوعية في السنوات الأخيرة و اتجاه واضح لدعمها فإن البعض منها لا يزال ينتظر من يزيح عنها الغبار و ينتشلها من غياهب النسيان، و قد تضافرت مجموعة من الأسباب، التي تبدو في مجملها موضوعية، دفعت بالأطراف الرسمية وغير الرسمية للعمل على تدارك ما فات. و لعل الأسباب الاقتصادية و الثقافية تأتي في المقام الأول إذ يريد العرب اليوم أخذ موطأ قدم في القرية الكونية الصغيرة، فوفرت لهم الصناعات التقليدية، من بين عدة قطاعات، الموضوع المناسب لتوظيفه من أجل التأكيد على الأصالة والعراقة التاريخية والمشاركة الفعّالة في صنع التاريخ والتأثير الإيجابي في الأحداث عبر العصور المتعاقبة .إن الصناعات التقليدية تحفظ التراث و تصون التقاليد و بالتالي فهي عامل وحدة ثقافية فمن الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي تنتشر في كل مكان صناعة تشكيل المعادن والفخار و الحدادة و النجارة والعمارة والنسيج والحلي و غيرها الكثير... توجد في الحواضر والقرى و المداشر والبوادي و الأرياف... و المنتج الحرفي هو أيضا تعبير حضاري يجسد العبقرية الإنسانية لذلك تعمل الدول على ترسيخ هذا التراث و حماية مقوماته من التلاشي والاندثار بإنشاء المؤسسات الثقافية الخاصة به ، القارة منها كالمتاحف والمتنقلة كالمعارض الوقتية بعد أن يتم جمعه طبعا و تصنيفه و تدوينه و من ثمة التعريف به في المحافل الوطنية و الإقليمية و العالمية.
و تسعى في نفس الوقت أن تجعل منه رمزا من الرموز التاريخية التي تبنتها عبر التاريخ لمحاورة الشعوب الأخرى فمثلما راجت البضائع الحريرية الفارسية لدينا سافرت في نفس الوقت منتوجاتنا إلى إفريقيا جنوب الصحراء .وهي قبل أن تكون أداة حوار كانت همزة الوصل بين شرقي هذا الوطن و مغربه تناقلتها أيادي التجار والحجيج برا وبحرا ״ فجذورنا نحن العرب هي تراثنا المشترك ومهما تسببت الحضارة الصناعية في توحيد أنماط العيش والتفكير فإن للعالم العربي مقومات ثقافية عريقة ومتميزة لا ولن تنمحي "(1)
و لا يمكن التغافل عن العامل الاقتصادي كسبب من أسباب الاهتمام بهذا القطاع الحيوي ، فالاهتمام بالصناعات التقليدية هو حفاظ على التقنيات العريقة التي استعملت في دكاكين حرفي المدن والأساليب البسيطة لدى سكان الأرياف الذين غالبا ما يكون مجالهم السكني مقرا لأشغالهم الحرفية .
فضروري الحفاظ عليها، حسب رأينا، فربما تكون مصدر إلهام لبعض المخترعين لأجل تطويرها... كما أصبحت الحرف التقليدية عنصرا من عناصر التنمية الاقتصادية الشاملة التي انتهجتها عديد الدول و أولتها مكانة متميزة لكونها و على النقيض من الصناعات الثقيلة الحديثة لا تتطلب مواد أولية ضخمة بل وجود مهارات يدوية جد كاف لنشوئها وتطورها ، إضافة لكونها لا يترتب عنها معضلات اجتماعية و آثار سلبية على المحيط والبيئة . ورغم توجه بعض الدول للإهتمام بهذا القطاع لأجل تقديمه كمنتوج سياحي دون التدقيق في التفاصيل التي تتعلق بأصالة المصنوع وجودته .. فقد نجحت في الاستفادة من هذا التراث لإنشاء سلسلة من القرى الحرفية المتخصصة ساهمت في مردود متميز في التصدير.
أما عن الدواعي الاجتماعية للاهتمام بالصناعات التقليدية فأهمها التأكيد على مساهمة المرأة و دورها الريادي في أغلب الصنائع و بالتالي تقديم الدليل على كون المرأة العربية عنصر فاعل وإيجابي في المجتمع على عكس ما يروج بكونها سلبية وينظر إليها من منظور" الدونية ". أما الحكومات فإن مساهمة هذا القطاع في التخفيض من نسب البطالة يبقى شغلها الشاغل والتي ستؤدي بدورها إلى نتائج اجتماعية أخرى كالتقليل من المشاكل الأسرية وحماية الأطفال من التشرد ...
هذه هي أهم الدواعي الثقافية والاقتصادية والاجتماعية للاهتمام بالصناعات التقليدية في الوطن العربي فماذا لو خصصنا الحديث عن الحرف والصناعات المتعلقة بالخيمة فقط؟ سؤال يطرح نفسه و سنحاول حوصلة الأسباب في هذه النقاط بسرعة:
- تراجع هذه الحرف نحو الثانوية وحتى نحو الانقراض النهائي في ظل تطور نمط العيش.
- تعرضها للإهمال والتهميش بعد أن كانت العمود الفقري لاقتصاد البوادي .
- لكونها تراث غني له حضور في مختلف نواحي الحياة اليومية لما تأديه من وظائف شتى .
- لأنها تساهم في ترسيخ خصوصية الثقافة المادية لسكان الخيام العربية لكونها جزء من ثقافة أشمل .
-عزلتها وفقدانها لوظيفتها الأساسية والحقيقية حيث أصبحت ذات وظيفة جمالية كديكور في النزل مثلا أو فلكلور يقدم للسائح في المهرجانات ، رغم ضمان بعضها لتحول إيجابي مثلما تحول أديم الخيمة إلى غلاف لمقاعد السيارات و قاعات الجلوس.
- قدرتها على المساهمة في تنمية المجتمعات المحلية والريفية و الارتقاء بها إلى ما بلغته الحواضر من تقدم و رقي.
لهذه الأسباب و غيرها يجب التأكيد على حتمية التوجه نحو البحث في تراث الخيمة و لا سيما الحرف المرتبطة بها و التي غدا البعض منها " صدى بسيطا مهددا بالنسيان يتوجب علينا ذكره و صيانته فإذا انقرضت صناعة مهما كانت طبيعتها و وظيفتها خسرنا ثقافة و فقدنا مهارة "(2).
و لإثبات ضرورة الاهتمام بهذه الحرف المرتبطة بالخيمة سنحاول التركيز على صناعة الجلود و دباغتها في الجنوب الغربي التونسي، و في الذهن قول مشهور للأديب محمد المرزوقي " هالني ذلك التحول، لا لأنني كرهته، و لكن لأني خشيت أن تقبر تلك التقاليد نهائيا فينسى الجيل الجديد أصوله الأولى التي تفرع منها و يتنكر لتقاليدها و بذلك تُجهل قيمة التطور في الشعوب " (3)
تقديم المنطقة ميدان البحث :
إن منطقة الجنوب الغربي التونسي منطقة صحراوية جافة تنزل فيها كميات من الأمطار تقل عن تسعون مليمترا في السنة كمعدل، تغلب على تضاريسها الكثبان الرملية و تنتشر فيها عديد الأعشاب و الأشجار التي تمثل مرعى خصب لاسيما عند نزول الأمطار. كانت تعيش فيها مجموعة من القبائل البدوية الرحل مثل أولاد يعقوب و المرازيق و العذارى و غريب و الصابرية تتنقل في رحلتين سنويا تقودهم الأولى منذ أواخر الشتاء إلى بدايات الخريف إلى الصحراء و يستقرون في الثانية ما تبقى من السنة بالقرب من واحات و قرى المستقرين في جهة نفزاوة للتزود بحاجياتهم من المؤن الضرورية كالتمور و الزيوت ... تعيش هذه القبائل على ما توفره الأرض من حبوب و حيواناتهم من حليب و أصواف و جلود ، و بما أن نمط عيشهم يتطلب أدوات و أواني للحمل و النقل تكون سهلة الاستعمال و خفيفة الوزن فقد أمنوا ذلك بمصنوعات محلية بسيطة و رغم بساطتها فهي ذات جدوى و فاعلية هامة و لعل قولة ابن خلدون تنطبق تماما على هذا الشبر من الأرض حين قال " إن الصنائع بالمغرب قليلة وغير مستحكمة إلا ما كان من صناعة الصوف في نسجه والجلد في خرزه و دبغه "(4).
فما هي التقنيات التي اعتمدوها في صناعة الجلود و دباغتها ؟
1- تقنيات صنع الجلود و دباغتها:
التقنية هي " سلسلة الأعمال التي تهدف إلى تلبية الحاجيات الأساسية للإنسان المادية منها و الروحية "(5) و في حالتنا هذه تباشر المرأة المادة الخام بيديها وبدون أي وساطة آلية ما عدا بعض الأدوات البسيطة جدا. أما الزمن المادي لصناعة قطعة واحدة ليس له اعتبار و ليست له قيمة مضبوطة يمكن تقديرها بدقة، عكس المنتوج الصناعي الحديث المحدد بوقت يكاد يقاس بالثانية.
تختلف طرق الدباغة بحسب ما يتوفر من مواد أولية على عين المكان أولا و بحسب الحاجة إلى الجلد ثانيا، لكنها و تتم بالطرق التالية :
* الطريقة الأولى:
يؤخذ " الرُبْ " و هو عصير التمور: يُغسل جلد الماعز جيدا بالماء والملح وينظف من الداخل مقابل الاحتفاظ بالشعر من الخارج ، تسد جميع المنافذ و يملأ بالرب لمدة تتراوح بين الشهر والشهرين ، ثم ينظف بالماء جيدا و يصبح جاهزا للاستعمال. يرتبط عادة اسم الوعاء بطريقة ربط أسفل الجلد فيقال " مْعَكْيَة " أي غلقت عن طريق الخياطة فقط.
* الطرقة الثانية:
باستعمال " الشَّبْ "(6) و الملح و الدقيق أو الحليب: يسلخ جلد الغزال و يوضع داخله قليل من الدقيق والشب والملح لمدة قد تصل أسبوعا ثم ينظف ويعرك بين اليدين مرارا و تكرارا ليصبح لينا، أو عوضا عن الدقيق يستعمل الحليب و يكون الجلد هذه المرة جلد عنز أو تيس و بنفس الطريقة مع الاحتفاظ بالشعر من الخارج.
* الطريقة الثالثة:
قشور الرمان والملح والزيت: يؤخذ جلد شاة و يفتح بكامله ثم يفرش على الرمال من جهة الصوف و توضع فوقه طبقة من الملح و يعرّض إلى أشعة الشمس لمدة قد تصل أسبوعا، ينظف اثر ذلك بسكين و يلقى من جديد بنفس الوضعية بعد أن يجف ينظف تماما، ثم يطلى بخليط من طحين قشور الرمان و زيت الزيتون ليقضي نفس المدّة تقريبا يصبح على إثرها جاهزا للاستعمال بعد تنظيفه من الشوائب.
* الطريقة الرابعة:
تستعمل النساء أحيانا " الدباغ "، وهو في حقيقة الأمر قشرة أو لحاء أغصان شجرة الآزال أو " الجداري "، تجفف ثم تطحن فيما بعد و يسمى " النجب " : يغمر جلد الماعز لمدة يومين أو ثلاثة ثم ينظف جيدا بحيث ينزع شعره تماما و بسهولة كبيرة ثم يطلى بالعرعار(7) و الملح للقضاء على رائحة العفن و يترك جانبا حتى يجف . بعد أيام يوضع الجلد في المدبغة و هي عادة زير من الفخار تحتوي على كمية من الماء البارد و قليل من الدباغ لمدة سبعة أيام. بعد رفعه من المدبغة مباشرة يملأ برمال الصحراء لغاية تجفيفه ثم يعرك بين اليدين و يدهن بالزيت و كامل هذه المراحل تسمى " النفس الأولى".
بعد ذلك تنطلق مراحل " النفس الثانية " إذ يعاد الجلد أولا إلى المدبغة لمدة أسبوع يقلب خلالها يوميا ليشرب الدباغ من جميع جهاته ثم يملأ بالرمال ثانيا و يعرك ثالثا دون استعمال للزيت هذه المرة. إثر ذلك يغسل الجلد بالماء و تسد المنافذ الطبيعية و الاصطناعية بـ " الربطان "(8) ما عدا الرقبة و للتأكيد من انسدادها و التنظيف النهائي قبل الشروع في استعمال هذا الوعاء يوضع بداخله قليل من الحليب و يخض من حين لآخر طيلة ثلاث ساعات تقريبا لاكتشاف تسربه إن وجدت .
* الطريقة الخامسة:
الدباغة بقشرة الجداري : يغسل الجلد بالماء والملح ثم يقلب بحيث يكون الشعر من الداخل، تسد المنافذ و يملأ بـ" الهريس "(9) ليتخمر و تصل المدة إلى ثمانية أيام شتاء و أربعة أيام فقط صيفا . و بعد ذلك ينظف الجلد جيدا من كل الشوائب و الشعر باستعمال سكين و يطلى بالملح و العرعار و يوضع في مدبغة تحتوي على ماء ساخن هذه المرة مع مسحوق الجداري لمدة أسبوع. و لعل انتشار المثل القائل "إلي تاكله العنز جداري يظهر على جلدها دباغ " للتدليل على أن الماعز الذي يقتات من هذه الشجرة جلده يكون سهل التطويع أكثر من غيره. ثم تتواصل بقية المراحل المذكورة مع الدباغة باستعمال الآزال.
* الطريقة السادسة:
باستعمال قشرة الرمان و أوراق الزيتون و العرعار والمجبى(10): يغسل جلد الماعز جيدا بالماء و الملح ثم ينظف من الداخل باستعمال سكين مع المحافظة على الشعر من الخارج ، يسد المنفذ السفلي بالخياطة مستعملين في ذلك سعف النخيل، و يقوم الرجل بهذه الخياطة و تسمى " الزنو "(11). ثم يملأ الجلد بخليط مكون من الماء و العرعار والملح بمقدار النصف لمدة أسبوع على الجهة اليمنى ثم يقلب على الجهة المقابلة لمدة أسبوع ، بعد إفراغ المحتوى الأول يملأ ثانية بـ" السريع " (12)، مع إضافة الملح طبعا و الماء و توضع في مكان ظليل لمدة شهر .
بعد إفراغ المحتوى الثاني تملأ للمرة الثالثة بقشور الرمان المطحونة مع الملح دائما لمدة أسبوعين فقط، تغسل إثر ذلك عديد المرات في اليوم الواحد ثم تخلل(13): يؤخذ عود صغير من شجرة " الرتم "(14)، و يستعمل لغلق فتحة المؤخرة بثني جانبيها و لفهما على العود ثم شدهما بحبل يسمى " سرج "(15). هذه العملية لها وظيفتان تتمثل الأولى في تمتين الخياطة و الثانية في تقليص الحجم . و يوضع بها نصف لتر من القطران و تخض جيدا للقضاء نهائيا على المذاق المر لقشور الرمان خاصة و أن الوعاء سيستعمل للماء.
* الطريقة السابعة:
يملح الجلد لمدة سبعة أيام ثم يوضع بها دباغ الآزال و الملح مع الماء لمدة شهر، عند انقضاء المدّة تتم إفراغها و يصب فيها نصف لتر من القطران لمدة أسبوعين و تقلب أثناءها عديد المرات على اليمين و على اليسار. تطلى إثر ذلك بالزيت ثم تملأ بالماء عديد المرات حتى تصبح جاهزة للاستعمال.
هذه إذن طرق و تقنيات الدباغة التقليدية للجلود بمراحلها المتعددة و موادها المحلية المتنوعة و أدواتها البسيطة و المختلفة، و هذا دليل واضح على قدرة فائقة على استغلال الوسط الطبيعي المحلي رغم قسوته و التفاعل معه إيجابيا رغم قلّة إمكانياته المتاحة.
و قد توارثت الأجيال هذه المعارف و تناقلت الخبرات و التطبيقات و لا تزال تستعمل إلى اليوم العديد منها لكن بعضها الآخر تلاشى مع فقدان الحاجة إليها. فقد كانت هذه الجلود تستعمل بكثافة لدى قبائل الجنوب الغربي التونسي نظرا لكونها طيّعة الاستعمال خفيفة الوزن و سهلة الصنع كما رأينا ، و يتراوح استعمال بعضها لمدة تقل عن الشهرين في حين تستخدم غيرها على مدار السنة و قد يصل عمر القطعة الواحدة في بعض الأحيان إلى عشر سنوات و في الأثناء قد تتغير وظيفتها بحسب المواسم والفصول و الاستعمال و الأحجام...
بعد البحث الميداني تم المرور إلى مرحلة التصنيف: فقسمت المصنوعات، التي تكونت معظمها من الأواني، إلى نوعين: أولى جلود منزوعة الشعر و ثانية غير منزوعة الشعر أو الصوف أو الوبر.
2- الأواني و المصنوعات الجلدية:
2/1- الأواني الجلدية منزوعة الشعر: تتكون من مجموعة أواني متعددة الوظائف: من الخزن إلى النقل إلى الصنع... و الأحجام الكبيرة و الصغيرة.
- الظبية : و تسمى أيضا " المزود "، وهو جلد ماعز أو تيس يحفظ فيه غالبا الدقيق أو " الدشيش " أو الحبوب الجافة المعدة للخزن نظرا لكونها ذات جدوى ممتازة في حمايته من الحشرات التي تسبب التَّسَوس. توضع الظبية في الجهة المخصصة للمرأة من الخيمة، داخل "غرارة "(16).
- الشَّكْوَةْ : تستعمل ما عدا في فصل الربيع حيث تتوفر كميات كبيرة من الحليب تستخدم الشكوة لتحويلها إلى زبدة ، تتطلب وظيفتها أن يكون جلدها لينا إذ تضعها المرأة على ركبتها و تحركها مرارا و تكرارا. تسع الشكوة في بعض الأحيان لأكثر من عشرون لترا. تسمى الصغيرة منها بـ " مقازي "، يستعملها الراعي كوعاء لحلب الناقة أو الشاة ان كان بعيدا عن مضارب القبيلة أو خيمته لأن الحلب عادة ما يتم في وعاد فخاري يسمى " حلاّب ".
يرتبط استعمال " الشكوة " ببعض المعتقدات الشعبية، كالخوف من عين الغريب عند استخراج الزبدة من فمها، فالعين الشريرة تتسبب في مسك حيواناتهم عن دار الحليب حسب اعتقادهم. و للحماية من هذه العين تربط بها ودعة أو تميمة لاتقاء شرها و الحفاظ على القطيع.
عندما تتقادم " الشكوة " و تتعدد بها الثقب تتحول إلى " بطانة "، و هي الوعاء الجلدي الذي تستعمل لحشو التمر كمخزون غذائي لوقت الحاجة و يستهلك عادة في الربيع مع قليل من الحليب.
- السْمَاطْ : جلد كالشكوة إلا أنه أصغر حجما، يستعمل للماء و اللبن عند السفر أو الرعي أو الصيد و على عكس البقية التي يستعمل فيها مكان ذبح الشاة للملء و الإفراغ تستعمل في السماط المؤخرة لهذا الغرض .
- القَرَافْ : يصنع من جلد الإبل و تظاف إلى إحدى جانبيه زينة بالقماش تحمل فيه العروس أغراضها و ملابسها ، وتصبح له وظيفة جمالية داخل الخيمة إذ يعلق في إحدى الركائز لمنح المكان منظرا رائعا .
- الفَرْشْ: جلد يستغله الراعي أو المسافر لعدة أغراض كأن يعجن عليه الدقيق لصنع الخبز أو كمائدة لطعامه المعد للأكل، كما أنه يستعمل لحفظ الوجبات الغذائية كالمرفوسة عند السفر و هي خليط من الخبز و السمن و التمر.
- النَّافُول : أو النافولية وهي وعاء كبير الحجم تتحصل عليه المرأة بخياطة جلدي بعيرين، تضعهما الواحد فوق الآخر و تقص ما زاد منهما ثم تشرع في خياطتهما باستعمال خيط " القدة " الجلدي، مع ترك فم الآنية و إضافة عروتين واحدة من كل جهة من نفس الخيط لتسهيل رفعه على ظهور الدواب أثناء التنقل و الترحال. يستعمل لخزن التمور عادة و قد تصل سعة الواحدة منها إلى أكثر من مائة كيلوغراما.
2/2- الأواني الجلدية غير منزوعة الشعر أو الصوف أو الوبر:
- القِرْفَة: تصنع بنفس طريقة صنع " النافول " و لا تختلف عنه إلا في مستوى الوظيفة، فحجمها الكبير جعل المرأة تستغلها لحمل أواني المطبخ أثناء تنقل النجع لذلك تسمى " قرفة المرا "(17).
- المَسْلَخ: هو جلد صغير يستعمل لحفظ الزبدة ، يستعمل فقط طيلة شهرين أو أقل لأن محتواه من الزبدة سيحول إلى سمن فيما بعد. إن صاحبة البيت التي تجمع أكثر من غيرها الزبدة هي الأحذق في نظر الجميع وهذا ما يتسبب في الخصام بين الزوجين حتى أن الرجال يتهمون النساء بأنهن بعن لحائهن من أجل الزبدة لذلك حُرمن من شعر الوجه(18).
- العُكَّةْ : جاء في لسان العرب " و العكة للسمن كالشكوة للبن "(19)، وهو جلد صغير تدّخر فيه النساء عادة الزيت و الدهون... و الحريصة منهن هي التي لا تخلو خيمتها من زيت الزيتون الذي يستعمل " أكلا ودهنا و نورا في البيت " كما يقال ، و يضرب به المثل الشعبي " لو كان الزيت في عكتها راهو باين على قصتها " للدلالة على قيمة المرأة التي تحسن تدبير أمور بيتها حتى و لو كانت قليلة ذات اليد.
– الرُقْعَة : وهي جلد شاة و توضع تحت الرحى ليتساقط عليها الدقيق أثناء الرحي، كما يمكن أن يحفظ بها هذا الأخير لمدة قصيرة قد لا تتجاوز اليومين قبل أن يستعمل.
- النَّطْع: هو جلد شاة يطرح في الخيمة كمفروشات لسكانها و ضيوفهم أو يعلق ليضفي على المكان مسحة جمالية.
- الوِسَادْ : جلد غزال صحراوي يعيش بكثرة في المنطقة و هو من نوع الريم، تستعمله المرأة لحفظ أشيائها الخاصة كالعطورات و البخور و السواك و الحلي و نظرا لجماله فهو يعلق في الهودج أثناء نقل العروس من بيت والديها إلى بيت الزوجية.
- القِرْبَة: جلد ماعز يستعمل لحمل و نقل و حفظ الماء و تسع لأكثر من عشرين لترا أحيانا عندما تمر عليها سنوات يتغير اسمها إلى شِنَّة و تصبح مختصة في تبريد الماء صيفا،و هي عربية فصحى اذ جاء عند ابن منظور " و إنما ذكر الشنان دون الجدد، لأنها أشد تبريد للماء من الجدد "(20). و تسمى القربة الملأى للنصف عند قبيلة المرازيق "الشايلة " كناية عن الناقة الحامل في شهرها السادس، و تسمى" زكرة " إذا كانت صغيرة الحجم و مختصة بالماء دون سواه، و يطلق عليها اسم " زكرة تراس " عند قبيلة غريب. أما في الخيمة فيرتب أمامها مكان ظليل بأغصان الأشجار و جريد النخيل و قليل من الأعشاب يسمى " قريب "، يفرش بالقش و توضع عليه القرب مرتبة من الكبيرة إلى الصغيرة . عندما يحدث تمزق أو ثقب كبير في القربة يحول استعمالها الى وظيفة أخرى حيث يمكن أن يصنع منه دلوا.
إن الاهتمام المتزايد بالصناعات التقليدية من قبل الحكومات و الأوساط الثقافية و العلمية المختصة لدليل واضح على القيمة الثابتة لهذا القطاع سياسيا و اقتصاديا و علميا و ثقافيا... و هو ما يبرز أيضا من خلال الاعتمادات المالية المرصودة له و الندوات و الملتقيات التي تهتم بالموضوع و عدد المقالات و التقارير الإعلامية من سمعية و بصرية و مكتوبة ورقيا و الكترونيا...
أما فيما يتعلق بصناعة الجلود و دباغتها، رغم بساطتها، فنحن نلمس فيها قدرة صانعيها على الإبداع و الإضافة الحرفية للمرأة البدوية الصحراوية في فترة تاريخية قريبة. هذه المرأة التي صنعت أدوات تستعملها جميع فئات المجتمع دون تمييز بين فقير و غني أو بين فارس و راع... كما أن مصنوعاتها لا تتعلق فقط بإشباع حاجة مادية إنما أضفت عليها لمسات جمالية حينا و إضافات عقائدية حينا آخر، مع تمسكها في كل الحالات بالمواد الطبيعية المحلية في كل المراحل و هو ما يميزها عن الأدوات الصناعية الحديثة التي أضحت تقلق راحة مستعمليها بما يدور حولها من إمكانية تسببها في بعض الأمراض كالبلاستيك و الحديد.
الهوامش:
1) البقلوطي (الناصر)، نحو تصنيف لعناصر الثقافة المادية بالوطن العربي، مجلة المأثورات الشعبية، قطر 1888، عدد 12، ص 55.
2) فنطر( محمد حسين)، صناعات تقليدية من أجل التنمية و حوار الحضارات، تقديم ندوة فكرية، دوز- تونس 2002، ص 61.
3) ابن خلدون (عبد الرحمان)، المقدمة، الدار التونسية للنشر، 1984، ج02، ص 487.
4)البقلوطي(الناصر)،المصدر السابق، نفس الصفحة.
5) Boris ( Gilbert), Documents linguistiques et éthnographiques sur une région du sud Tunisien(Nefzaoua), Impr. nationale de France, Paris1951, p199.
6) الشب: نوع من الصخور البيضاء، يستعمل لمداواة عدة أمراض و في تركيبة عدة خلطات، و هو Alum في اللغة الانكليزية.
7) شجر العرعار موجود بكثرة في البلاد التونسية مقاوم جيد للجفاف و قد يصل عمر الشجرة لأربع مائة سنة، يستعمل خشبه في البناء و وقود للنار و لحاء أغصانه لدباغة الجلود في الحرف التقليدية.
8) بالربطان أي عن طريق الربط بخيط من الجلد يسمى " سير القدّة ".
9) الهريس هو خليط من الماء و التمر المعجون.
10) المجبى هو القطران الذي اختصت بصناعته في الجنوب قبيلة العذارى.
11) الزنو و هي مشتقة من الزنا لذلك ساد الاعتقاد عندهم بأنه لا يقوم بها إلا الرجل على اعتبار أنه المسؤول الأساسي في ممارسة المحرمات.
12) السريع هو و ورق شجر الزيتون المجفف.
13) خلل: عربية فصحى من معانيها: جمع بين طرفين بخلال من عود أو حديد (ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت 2004، ط3، ج05، ص 144).
14) الرتم: الشجر الذي يوجد في معظم الصحاري العربية ذو الزهر الأبيض و اسمه العلمي " retama raetma " مأخوذ من الاسم العربي.
15) سرج : أي أحكم ربطه مثلما يحكم ربط السرج على ظهر الدابة.
16) غرارة: كيس مصنوع من شعر الماعز و قليل من الوبر.
17) المرا: تعني المرأة
18) المرزوقي(محمد)، مع البدو في حلّهم و ترحالهم، الدار العربية للكتاب، تونس 1984، ص 183.
19) ابن منظور ( جمال الدين)، لسان العرب، دار صادر، بيروت 2004، ط3، ج10، ص243.
20) ابن منظور(جمال الدين)، لسان العرب، دار صادر للنشر، بيروت 2004، ج08، ص 194.