مداخلة السيد بلقاسم بلحاج علي
حافظ رئيس للمكتبات
مقدمة :
يعد التراث بشكل عام مصدر ثراء حضاري لدى كل أمة و رافدا مهما من روافد ثقافتها .انه حصيلة ما تركه الأسلاف فيها من خبرات و تجارب من مختلف مرافق الحياة و مجالاتها المتنوعة و ما توصل اليه نشاطهم الابداعي ، و هو قبل هذا و ذاك اسلوبهم في درجة الحياة و أنماط معيشتهم بما تتضمن من قيم وعادات و آمال.
و من التراث تبرز جوانب أخرى هي التراث الأدبي والتراث الفني والتراث المادي والتراث الفكري ، وما يهمنا هنا بدرجة آولى هو التراث الأدبي لأنه يشمل الحكايات والأساطير والشعر والسير والنوادر والأمثال والألغاز وهو مشحون بكل ما يفيد الناشئة ويشكل مصدر الهام للكتاب يساعدهم على تقديم اعمالهم الابداعية وابتكار شخصيات لا تنسى مثل "السندباد وعلاء الدين وعلي بابا وغيرها " .
ولو حاولنا احصاء ما أنتجوا للطفل العربي من أدب خاص به لوجدنا كما لا بأ س به من القصص والمسرحيات والأشعار يتنوع موضوعها أحيانا ويتفق حينا ويتباين أسلوبها وتختلف درجة تأثيرها في القارئ الطفل .
ان هذا الاتفاق الملاحظ أحيانا في مضمون أدب الطفل لدى عدد من الكتاب ليدل دلالة قاطعة على أنهم يكرعون من نفس المنهل ويرتوون من نفس المورد رغم انتمائهم الى أقطار متعددة ، وهذا أمر طبيعي ما دامت اللغة تجمعهم والتراث يوحدهم . فمن من الكتاب العرب لم يقتبس من كليلة ودمنة ومن منهم لم يصطف من الف ليلة وليلة حكايات شيقة ، ومن منهم لم ينتق من قصص العرب مايناسب الطفل ، فلقد هرع جلهم ان لم اقل كلهم الى التراث العربي وانكبوا على قراءته بحثا عن الكنوز والنفائس ، وكلما عثروا على درة ثمينة أو لؤلؤة نفيسة أو جوهرة كريمة نفضوا عنها الغبار ونظفوها ثم كسوها ثوبا يروق للأطفال وقدموها لهم في كتاب جذاب .
ان تراثنا العربي زاخر بالمواضيع الدينية والاجتماعية والأخلاقية والعلمية التي يمكن أن تبسط ويصاغ منها أدب يجد فيه الطفل الفائدة والمتعة والتسلية .كما أن بعض الأدباء العرب لم يكتفوا بهذا بل استلهموا أيضا من التراث الانساني عامة وخصوصا اليوناني والفارسي والهندي ...كما تأثر أدب الأطفال العالمي بأدبنا الشعبي تأثيرا كبيرا من ذلك أن
أندرسون وغيره من الكتاب الغربيين تأثروا بألف ليلة وليلة ونقل منها ما أراد ، فما من طفل في العالم الا وقرأ "علي بابا والاربعين حرامي " و "مغامرات السندباد " و علاء الدين والمصباح السحري " ففتنتهم قراءتها واستمتعوا بها كثيرا .
واننا في هذه المداخلة سنحاول تناول موظوع "توظيف التراث في أدب الأطفال"
في البداية سنحاول تحديد مفهوم التراث ثم نمر الى الحديث عن أدب الطفل ،تعريفه ، أهدافه و لمحة تاريخية عن نشأته و تطوره وفي مرحلة ثالثة نتوسع في الموضوع الرئيسي "توظيف التراث في أدب الأطفال ونختم بدور التراث في بناء الانسان عامة وفي تنشئة الطفل بصفة خاصة ..
مفهوم التراث :
من الصعب تحديد مفهوم التراث بطريقة علمية دقيقة فالتراث بمعناه اللغوي هو ميراث وموروث مترسب في الذهنية والسلوك والقيم والمرجعية الفكرية والجمالية للمجتمعات البشرية ،فهو ما تتوارثه وتتناقله الشعوب من عادات شعبية وقيم حضارية وتطورات ذهنية تصب كلها في بلورة الشخصية الجماعية والهوية القومية .
وفي الموسوعة السياسية للدكتور عبدالوهاب الكيالي ج 1 ص :706 نجد التعريف التالي :" مجموعة النظم والقيم والنماذج الثقافية القومية التي يتوارثها جيل عن جيل عن الأجيال السابقة "
اما اليونسكو فتعرفه كالتالي : " هو الموروث الثقافي بمعناه الواسع اي كل ما يتعلق بالقيم الفكرية والرموز الحضارية المكونة للروابط الاساسية المشتركة الحاصلة في الذاكرة الشعبية الجماعية ، بعض هذه الروابط يتصل بالدين والمعتقدات وبعضها بالعادات و التقاليد والسلوكات والبعض الآخر يتعلق بالانتاج الثقافي اي بالخيال الادبي والفني وبكل الابداعات الرمزية الرئيسية في الذاكرة الجماعية "
وينقسم التراث الى نوعين : فعلي وقولي اومادي ولامادي
فالنوع الاول الفعلي اوالمادي يتجلى في الاحتفالات في الاعياد والمناسبات والطوارئ من زواج ووفاة وولادة والرقص والعاب الاطفال وعادات الزيارة والولائم والملابس واثاث البيت وزينته وغير ذلك .
اما النوع الثاني القولي اواللامادي فيتمثل في الحكم والامثال والاحاجي والاغنيات والاهازيج والحكايات والسير والملاحم والنكات والدعوات ونداءات الباعة وما يكتب من كلمات وجمل وتعليقات على المناديل والثياب وجدران البيوت وعلى الابواب وشواهد القبور ووسائل النقل وغير ذلك .
والنوعان متكاملان بل متداخلان ، اذ كثيرا ما يصحب احدهما الآخر ويشاركه . وما يهمنا في هذا الشان هو النوع الثاني اي القولي اللامادي والمتمثل كما سبق القول في الحكايات والسير والملاحم التي يمكن توظيفها في الكتابة للطفل .
أدب الطفل : تعريفه ، اهدافه ، تطوره
تعريف أدب الطفل :
اختلف في تحديد مصطلح ادب الاطفال فالموسوعة البريطانية ترى ان ادب الاطفال يمكن ان يطلق على ماكتب من مؤلفات خصيصا للناشئين ، كما يمكن ان يطلق على كثير من الكتب التي الفها اصحابها للراشدين فاقبل الاطفال على قراءتها اقبالا واسعا مثل خرافات ايسوب ...وهكذا يكون ادب الطفل هو كل نص يستهوي الصغار فيقبلون على قراءته ولو لم يكتب لهم ، وهناك راي آخر ينحصر لديه ادب الاطفال في النصوص التي كتبت بعد ظهور الدراسات النفسية والاجتماعية الخاصة بالطفل والتي اعتمدت نتائج هذه الدراسات فجاءت مناسبة لنموه العقلي والنفسي والاجتماعي واللغوي ملبية لحاجاته مشبعة لآماله ورغباته ...وبناء على هذا الراي نورد بعض التعريفات لادب الطفل :
ـــ ادب الطفل هو العمل الفني الابداعي الشعري والنثري المحتوى على قدر كبير من جمال اللفظ وسمو المعنى المؤثر في الطفل لكونه مناسبا لنموه وقدراته وميوله وحاجاته.
ـــ ادب الاطفال هو الكلام الجيد الذي يحدث في نفوس الاطفال متعة فنية ,
ـــ ادب الطفل هو كل محتوى لغوي يتوافر فيه عنصرا الادب وهما جمال اللفظ وسمو المعنى مع مناسبة هذا المحتوى من حيث الشكل والمضمون لقدرات الاطفال وميولهم ومستوى نموهم ومدى تطور مجتمعهم .
ـــ ادب الطفل يقصد به النتاجات القصصية ، الشعرية ، المسرحية الروائية القائمة على اقيسة قيمية فنية طباعية تلبي الرغبة السيكولوجية والعقلية للطفل تتفاعل وتتواصل مع قدراته الذهنية ومؤهلاته وملكاته في مرحلة معينة من مراحله العمرية ، بينما ثقافة الطفل تتخطى هذا التجنيس الغرافيكي الى النص التاريخي المعرفي العلمي الفني اي كل ما يغني عقل الطفل وينمي ثروته الفكرية وتجربته الحياتية " هذا التعريف للعربي بن جلون من كتاب العربي رقم 50 المعنون بادب الطفل "
أهداف أدب الطفل :
من الثابت أن الادب الموجه للطفل هو من أهم الوسائل المعتمدة في نحت المعالم الفكرية والوجدانية والاجتماعية لهذا الكائن البشري ، لذلك أولى العلماء والباحثون هذا الأدب اهتماما بالغا وضبطوا له أهدافا متنوعة نلخصها في ما يلي :
. تمسك الطفل بهويته وتحصينه ضد الغزو الثقافي .
. تزويده بالعلوم والمعارف وتأهيله للحاضر والمستقبل .
. السعي لتنمية ذاكرته وتفكيره ليكتسب القدرة على الملاحظة والمقارنة والاستنتاج والتحليل والتعليل والمقارنة والنقد .
. العمل على تفتيق خياله ليصبح مبدعا واكسابه المهارات المشجعة على الابداع .
. تربيته على التحلي بالاخلاق الفاضلة والقيم والمثل النبيلة وتمتين روح التعاون والتكافل في الاسرة والمجتمع.
. جعله مطلعا على حياة العلماء والمفكرين والمخترعين والمكتشفين وخصائص حياة مختلف الشعوب القديمة والحديثة قصد الاستفادة من علومهم وتجاربهم وحضاراتهم .
. جعله مسايرا للتطور الصالح المفيد عن اقتناع لا عن تقليد .
نشأة أدب الطفل في العالم وتطوره :
لئن كان أدب الطفل الشفوي قديما قدم الانسان فان أدبه المدون حديث لم تظهر باكورته الا سنة 1697 مع الاديب الفرنسي شارل بيرو ومجموعة قصصه الشعرية تحت عنوان "حكايات امي الاوزة والتي نسبها الى ابنه محافظة على سمعته وخوفا من الحط من قيمته وهو عضو الاكاديمية الفرنسية واقتفت اثره المربية "لبرنس دي بومون" فكتبت عددا من القصص اهمها مخزن الاطفال ثم نسجت على منوالها بعض النساء .
وقد كان جل ما كتب في هذا الوقت خرافات واساطير وقصصا حول الجن والسحرة وخوارق العادات وقد وجد الكتاب في كتاب الف ليلة وليلة اللذي ترجم الى الفرنسية سنة 1704 منهلا عذبا وموردا لاينضب .
ولم يرض هذا المنحى الذي نحاه ادب الطفل في فرنسا عددا من الدارسين والمهتمين بادب الطفل الذين تاثروا بالدراسات النفسية والاجتماعية والتربوية الحديثة واعتبروا هذه القصص وان كانت تروق للاطفال خالية من المنطق بعيدة عن الواقع مسرفة في الخيال وعمدوا الى تاسيس مدرسة لها اتجاهها الخاص في الكتابة للناشئة مما ادى الى ظهور ادب توجيهي يغلب عليه طابع النصح والارشاد وظلت الاتجاهات الادبية تتصارع والدراسات ومحاولات التطوير تتابع في مجال ادب الطفل وكثر الكتاب وتنوع المحتوى والاسلوب نذكر منهم اندرسون من الدانمارك ، الاخوان قريم من المانيا ، شارل بيرو من فرنسا ، مارك توين من امريكا،روداري من ايطاليا ، استريد لندجرين من السويد ،سازا ايامي ايوايا من اليابان .
اما في العالم العربي فان هذا الادب لم يظهر الا في بداية القرن التاسع عشر بمصر على يد رفاعة الطهطاوي ثم تلاه احمد شوقي فنظم شعرا على لسان الحيوان متاثرا بالشاعر الفرنسي لافونتان كما نذكر من الرواد ايضا علي فكري وامين خيرت الغندور ومحمد الهواري وعمران وفرح الجمل" 1910ـ1925 " ثم جاء كامل كيلاني "1897ــ 1959 "الاب الشرعي لادب الطفل في العالم العربي فرسخ اسس ادب الطفل وانشاه على نظريات علمية صحيحة وجاء بعده كتاب كثيرون نذكر منهم محمد سعيد العريان ، عطية الابراشي ـ سليمان العيسى ، زكريا تامر ، عيسى الناعوري ، يوسف العظم ، جمبل السلحوت ، احمد شحادة ، يعقوب اسحاق ،عبدالقادر عقيل ، يوسف الشريف ، يعقوب الشاروني الخ
اما في تونس فقد جاء في بعض الدراسات ان ادب الطفل نشا في العقد الثاني من القرن العشرين على يد بعض المربين مثل الشيخ محمد مناشو وابي الحسن بن شعبان ، بينما ورد في ابحاث اخرى انه ظهر في العشرية الخامسة من القرن العشرين ورائداه مصطفى خريف واحمد اللغماني وغيرهم يرى ان محمود الشبعان والبشير عطية هما من بذرا البذرة الاولى وكان ذلك في العشرية السادسة من القرن العشرين . ومهما يكن فقد تعددت المحاولات في الكتابة للطفل وتعدد الكتاب والكتب في هذا المجال ونذكر منهم : العروسي المطوي ـ محمد الدواس ، نافلة ذهب ،عروسية النالوتي ، الطيب الفقيه احمد ، الطيب التريكي ، مصطفى المدائني ، محمد الفاضل سليمان ،الغربي المسلمي ، حمودة الشريف كريم ، حافظ محفوظ وغيرهم كثير .
توظيف التراث في أدب الطفل :
ان قضية توطيف التراث والتعامل معه في الكتابة للأطفال موضوع يحتاج الى بحوث كثيرة ومحاولات تجريب مستمرة لصياغته واعادة النظر في ما هو بين ايدينا منه قصد تفجيره واستلهامه بل ومواجهته ذلك هو السبيل الحقيقي للوصول الى ثمره فالتعامل مع التراث يحتاج الى حس فني ودراسة علمية معمقة ولا يمكن ان يترك نهبا لمن لم يقتربوا منه قربا حقيقيا ومن لم يتعاملوا معه باجلال واحترام ، والحقيقة ان اعتماد التراث وتوظيفه في الكتابة للاطفال شيء هام شريطة ان لا يتم بصفة اعتباطية ونسخية وان لا يكون على حساب البناء العصري للطفل وتحضيره لمستقبله الذي يحتاج الى بنائه علميا وفكرياوحضاريا معنى هذا ان توظيف التراث الذي نريده هو الذي يحمل من الماضي دافعا وحافزا لمواجهة الحاضر وصناعة المستقبل ونقطة ارتكاز مكينة ننطلق منها الى غد افضل ، وتوظيف التراث الذي نريد يفرض ربط الاطفال بجذورهم وزرع بذور الاصالة والمناعة الحضارية فيهم وتحصينهم ضد كل اشكال الغزو الثقافي .
بعدما اتضح لنا الدور الهام الذي يلعبه التراث في بناء الانسان عموما والطفل خصوصا فانه ينبغي لكتاب الاطفال ان يستلهموا تراثنا الضخم الثري وان يقدموه لناشئتنا سائغا شهيا يجعلهم متمسكين بدينهم معتزبن بعروبتهم ساعين للنهوض بمجتمعهم متفتحين على حضارة غيرهم مؤثرين فيها متاثرين بما يصلح منها دون ان ينصهروا فيها او ينبهروا بها لذلك وجب عليهم ان يصطفوا من تراثنا قصصا تبني الهوية المتميزة للطفل العربي المسلم وتحفظ له شخصيته المتفردة وتمده بالمثل العليا وما اكثرها في تراثنا فكل مؤلفات اسلافنا تزخر بقصص الكرم والشهامة والنجدة والبطولة والشجاعة والايثار والفداء والصدق والوفاء والتعاون والاخاء والعفو والتسامح ....فالجيل بحاجة الى احياء هذه الشيم كما انهم في حاجة اشد الى ان ينهلوا من معين القصص القرآني وسيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وان يقدموها ميسرة الى اطفالنا ...كما ان في سيرة الخلفاء الراشدين والصحابة الاجلاء وما امتازوا به من عدل ونزاهة احقاقا للحق وما اشتهر به علماؤنا من بذل النفس والنفيس في طلب العلم ونشره بين الناس وما تحلى به ابطال العرب من جراة وشجاعة وتضحية دفاعا عن الارض والاهل والوطن وما عرف عن اسلافنا من تكافل وتضامن في حالتي اليسر والعلسر ...كل هذا التراث يمثل لهم معينا ومكنزا في حاجة اكيدة لتوظيفه وصياغته في شكل يتناسب مع روح العصر ويقدموه لناشئتنا.
وسنأخذ كمثال حي " ادب الطفل في تونس "
لقد استلهم الكتاب في تونس عند الكتابة للاطفال الجانب الالاهي من التراث وكذلك الجانب البشري ويتجلى الجانب الالاهي في القصص التي اقتبسوها من القرآن ومن سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ونذكر على سبيل المثال لا الحصر "المفدى بذبح عظيم " لمؤلفه البشير عطية و "ابراهيم الخليل " و"بناء الكعبة" للطيب التريكي و "حياة الرسول " من منشورات مكتبة المعارف بسوسة...اما الجانب البشري فيتمثل في كل ما وظفوه من النصوص التي اخذوها من الموروث الشعبي المروي مثال" ابو زيد الهلالي " لحمودة الشريف كريم بالاضافة الى تراثنا المكتوب مثل " كليلة ودمنة " والف ليلة وليلة " وغير ذلك من المصادر وامهات الكتب وهذه الكتب وفيرة العدد نذكر منها امي سيسي وسعدية لمحمد الدواس وعلي بابا لبشير عطية والحمامة المطوقة لمحمد بن شعبان ... في بداية مسيرتهم نقل الكتاب بعض الحكايات الشعبية نقلا امينا حافظ على ما جاء فيها من احداث وشخصيات وخوارق وقوى سحرية ومصادفات غريبة غير منطقية وعنف وسفك دماء وتآمر وكيد واحتيال وتواكل وعجز وياس ...وهذا من شانه ان لايراعي تطور المجتمع ولا يساهم في تكوين الطفل عقليا ونفسيا وسلوكيا بل على العكس تسيء اليه تربويا بقيم لم تعد تنسجم مع ما حدث في المجتمع من تطور...ولئن بدت بعض قصص الاطفال المستوحاة من التراث نسخا تكاد تكون مطابقة للاصل فان عددا آخر منها قد أجيد توظيفها فادخل فيها شيء من التحوير على مجرى القصص والخرافات لتكييف المحتوى مع ميول الاطفال والاحداث فاذا هي خالية من النقائص عظيمة الفائدة تجمع بين الاصالة والمعاصرة مثال على ذلك "عبدالله البري وعبدالله البحري"و"الاسد واصدقاؤه " للكاتب قاسم بن مهني ...وقد اهتم المؤلفون في هذه القصص بالجانب التعليمي والتربوي لان جل الكتاب مربون والمربي مهما حاول التخلص من وظيفته التعليمية عند الكتابة فانه لايستطيع فهو يسعى باستمرار الى اغناء الزاد اللغوي للمتعلم وتحسين اسلوبه وتهذيب نفسه وتعديل سلوكه وتزويده بالمعلومات كلما سنحت له الفرصة ....وخلاصة القو ل فان قصص الاظفال المستوحاة من التراث نوعان ، النوع الآول حافظ فيه الكتاب على الاحداث والاشخاص واحيانا حتى على بعض السلبيات لكنهم طعموها ببعض المثل والقيم قصد غرسها في الاطفال ، اما الصنف الثاني فنفخ فيها الكتاب من روح العصر واجادوا توظيفها للحاضر والمستقبل فجاءت في ثوبها القشيب جامعة بين الاصالة والتجديد .
وبما ان الهدف من توظيف التراث في الكتابة للطفل هو ترغيبه في الكنوز الوفيرة والمتنوعة التي تركها لنا اسلافنا فانه يجدر بالكتاب ان لا يقدموا له من القصص الا ما يحقق ذلك .
خاتمة :
لفد ادرك الغرب دور التراث في بناء الانسان الواثق من نفسه القادر على تغيير ما بها وما بمجتمعه المعتز بهويته الساعي الى التطور الراغب في العلم كما ادرك في الوقت نفسه قيمة الكنوز التي يزخر بها تراثنا الضخم فسعى لخداعنا بحملات تحقير وتزهيد و تشكيك فيه ورغبنا في اقتفاء آثارهم فانخدع بعضنا بآرائهم فاذا هم لايقيمون وزنا للتراث ويصفون كل من يهتم به بالتاخر والتخلف ...والغريب في الامر ان هؤلاء الذين يدعوننا للزهد في تراثنا جادون في توظيف تراثهم واحيائه .
ان التراث يغني الحاضر ويؤصله ويجعل الناشئة تعتز بهويتها ويحميهم من اخطار المؤثرات الاجنبية الهدامة التي تشوه مثلهم وتفسد اخلاقهم كما يؤهلهم لبناء مستقبلهم .
ولذا بات من الضروري ان نهتم بتراثنا جمعا وبحثا واثراءا وتوظيفا وان نعي ونعتزبانه من صنع اسلافنا الحكماء الراشدين فوجب على كتابنا ان يقدموه ميسرا لناشئتنا كي يستفيدوا منه ويثقوا به وبصانعيه ويدركوا ان لهم اساسا متينا ومجدا تليدا وعلما غزيرا وادبا مفيدا ...كل ذلك يجعلهم قادرين على خوض معارك التقدم والتطور وهم مسلحون بانجع الاسلحة وآخذون باسباب التنمية .