قديما كان الفداوي ينتصب في المقاهي أو الساحات العمومية أمام جمهور يروي له الملاحم و السير المتداولة كتغريبة بني هلال و قصة سيدنا علي و رأس الغول ، أمّا بالأرياف فكان الأقارب و الأجوار يلتفون حول " الغنّاي " أو " لديب " بمناسبة إقامة مراسم ختان أو زواج فيستمعون إلى أشعار و " ملزومات " تحكي " بطولات حقيقية أو خيالية لبعض فرسان العرش أو مغامرات غرامية بين فتيات و فتيان العشيرة ، و في البيوت عندما يسدل الظلام جناحه و قبل أن يستسلم الأطفال للنوم تروي لهم أمهم أو جدّتهم خرافة الغول أو ابن السلطان .
و الخرافة جنس من أجناس الأدب الشعبي ، و من المقومات الأساسية المحدّدة لهذا الجنس الأدبي لغته العاميّة و مجهولية مؤلفيه و تداوله الشفهي ، و مضمونه الثقافي الجماعي ، و لئن وردت كلمة خرافة في اللغة العامية التونسية بمدلول لا يبتعد عمّا حدّده ابن منظور في لسان العرب حيث قال إنّ الخرافة هي " حديث المستملح من الكذب و الخرافة الموضوعة من أحاديث الليل " ، فإنّ دارسي الأدب الشعبي أطلقوا على هذا النمط من القصص مصطلح الحكاية الخرافية و سيأتي تعريف لهذا النمط من القصص من الداخل أي بالاعتماد على ما جاء في النصوص.
... علامات المشافهة و من بينها الصوت و الحركة : تتحكّم المرأة الراوية في صوتها بحذق كبير بتغيير النبرات و الايقاع حسب متطلبات الأحداث المروية كأن تسرع في الكلام إذا أرادت الايحاء بأحداث تدور بسرعة أو أن تتقمّص دور هذه الشخصية أو تلك بتغيير نبرات صوتها ، أمّا الحركة فهي عنصر أساسي في عملية السرد رغم طبيعتها البعيدة كل البعد عن اللغة وهي عنصر إبداع يجلب انتباه المستمع و يثير مشاعره .
و تنقسم الحركة التعبيرية إلى قسمين :
أ ) حركات التأكيد : وهي التي تضاعف الكلام و تعين على إبلاغ مدلوله كأن تصاحب الرواية الاستفهام بحركة من يدها و تدعمه ، في قصة من القصص تقول الراوية ما مفاده أن أما وضعت حصاة تحت لسان ابنها حتى لا ينفعك عن البكاء ليتفطّن الأب له فتقول : " عملت له حصحاصة هك تحت لسانه " و صاحبت القول بإشارة من أصابعها إلى لسانها ،فهنا أتت الحركة لتفسّر الفعل و توضّحه .
ب ) الحركات المعوّضة : وهي التي تقوم مقام النص وتأتي بإعلام دلالي غير مضمّن به . فحين يعجز الكلام عن تأدية المعنى تأتي الحركة لتساهم في عمليّة التبليغ بالمرور من طريقة تعبير لغوية شفوية إلى طريقة تعبير جسدية .