يتبادر إلى الذهن حالما يُطرح موضوع العرس التقليدي بالجهات التونسية الاختلاف الطفيف بين هذه الجهات إذ هناك قواسم مشتركة عديدة و إذا ما تحدّثنا مثلا عن جهة بنزرت نذكر كتاب " هذه بنزرت " للمؤرخ رشيد الذوّادي الذي أشار فيه إلى أنّه في يوم الفاتحة تُحنّي أم العريس كف الخطيبة و تعلّق في رقبتها حلّة ذهبية كما يتميّز العرس في بنزرت باليوم الأوّل و هو يوم " الشْوار " الذي ينقل فيه " جهاز " العروس و ليلة العرس التي تصل فيه العروس إلى بيتها و في اليوم الثلث يجلبون للعروس سمكة كبيرة فتقوم بجرّها من ذيلها. و يحتفل الحاضرون بالزغاريد و الطبول و توزيع الحلويات.
و بالبحث لدى من يجمعون ما تجود به الذاكرة الشعبية و خصوصا الباحثين و الكتاب المعنيين بالتراث و بخصائص الجهات نجد العديد ممن كتبوا مقالات في هذا الغرض و وضّحوا مُميّزات العرس التقليدي ببنزرت و لا يفوتنا أن نُذكّر بما كتبت وفاء الحكيمي عن خصوصيات اليوم الثالث من العرس و الذي يتميّز بذهاب " العروس رفقة أمها و أخواتها و قريباتها و صديقاتها إلى الحمام و عادة ما يقصدن حمام الحي، فتتولى إحدى الحاضرات " الدربكة"، و يقمن باقي النسوة بالغناء و ترديد الزغاريد و لا ينسين أن يحملن معهن " اللبان العربي و السواك " لتقديمه لجميع الحاضرات في الحمام ، و في الطريق إلى الحمام يمكنك أن تميز العروس بلباسها ، لأنها تحجب تحت السفساري المخمل و تضع خمارًا يغطي وجهها و ترتدي قبقابًا يزين ساقيها و تمضي وسط الحشود في رصانة و اتزان و خجل. في اليوم الرابع، يستفيق جميع من في المنزل من حضور باكرًا ، فتدب الحركة و تشم رائحة قهوة البن الممزوج بالحليب التي تفوح إلى نهاية الشارع ، و تقتسم النسوة الأعمال المنزلية ، فتقوم البعض منهن بتهيئة المنزل و تتوجه أخريات لتقطع اللحم و الخضر لإعداد ما لذ و طاب للقادمين ، فاليوم هو يوم استثنائي لكل من أهل العريس و العروس ، لأنه يوم عقد القران حيث يحضر العريس رفقة أهله و أقاربه محملين بسلال تقليدية مصنوعة من نبات الحلفاء و قد حولت هذه السلال اليوم إلى سلال بلاستيكية و تكون مزينة بشرائط ملونة فهي هدية العروس ، و تحوي السلال شتى أنواع الخضر و الغلال و الفواكه الجافة و الحلويات إضافة إلى هدايا أخرى من ملابس و أحذية و حقائب يد. و تذبح شاة لطبخ ما لذ و طاب و خاصة " الكسكسي " الذي يزين باللحم و البطاطس المقلية و الفلفل الأخضر المقلي ، إضافة إلى الحلوى و الفاكهة و حبات الزبيب. في اليوم الموالي تستعد العروس لإقامة ليلة " الوطية " و تعد عادة احتفالية من عادات الزواج ، و هي ليلة خاصة بها و صديقاتها ، تتطلب لبس أزياء تقليدية مطرزة باهظة الثمن في الغالب ، و لذلك تضطر المقبلات على الزواج لاستئجارها لليلة واحدة ، و تحيي ليلة الوطية عادة فرق غنائية نسائية ترافق العروس أثناء خروجها أمام المضيفات مغمضة العينين ، أو واضعة على وجهها منديلاً من حرير مرة أخرى ، و غالبا ما تكون كلمات أغاني حفلات الزفاف مؤثرة لأنها تتضمن صورًا شعبية تعبر عن وداع العروس لبيت أهلها ، و استعدادها لدخول مرحلة جديدة من حياتها في بيت الزوجية. هنا تبدو فقرات العرس في جهة بنزرت مؤثّثة باحتفاليات تقليدية مهمّة قد تتفق فيها مع باقي الجهات و قد تتغيّر من منطقة إلى أُخرى غير أنّها تظلّ رصيدا ثريّا و مخزونا مهما يصنّف في خانة التراث اللامادي لجهة بنزرت.