مثّلت الحدادة التقليدية عنصرا مهما في حياة متساكني قرى و الواحات التونسية بإعتبار أن الحداد التقليدي هو محور لعديد الأنشطة منها صنع و صيانة الأداوت المنزلية القديمة ، كما يتكفل بصنع بعض بعض معدات الحرفيين كالبناء و النجار القليدي بالواحة. و يكتسي أهميته الكبرى من خلال دوره في مد الفلاح بالأدوات اللازمة للقيام بنشاطه الفلاحي على غرار صنع " المحشّة ، المسحاة ، الحجامية ، البيوش و الشطابية " و غيرها من الأدوات الفلاحية القديمة. و هي مهنة متوارثة منذ القديم حيث كان يلقنها الأب لأبنه و الذي بدوره ينقلها إلى أبنائه. ففي ولاية ڨبلي مثلا نجد " عرش الحدادّة " أي عائلة الحدّاد. لقب إكتسوبوه نظرا لإشتغالهم منذ سنين في مجال الحدادة التقليدية... و نجدهم في معتمدية سوق الأحد ، معتمدية دوز و بعض قرى قبلي.
بلقائنا بصالح الحداد و هو صاحب ورشة للحدادة التقليدية عرف بها منذ سنين في ركن من أركان السوق الأسبوعي بمعتمدية سوق الأحد من ولاية قبلي. كانت لنا الفرصة لكشف جوانب هذه الحرفة ألتي أصبحت تواجه خطر الإندثار نظرا للتطور الحاصل و ضعف إقبال الأجيال الجديدة على تعلمها.
و بحديثنا عن مهنة الحدادة التقليدية إفتتح حديثه ببيت شعري نسبه إلى عمّه ( يڨول ڨال عمنا ، و هو حدّاد )
حداد مولا الزّبرة ... من صغرتي فنان شايف خبره ... من يجيني مريض لازم يبرى
و أفاد محدثنا أن مهنة الحدادة قد تعلمها من والده الذي توارثها بدوره من أجداده
المهنة هذيا أني واخذها على باباي و باباي وخذها على جدي....
و الزّبرة هي تسمية محليّة للسّنداد ، تلك الكتلة الحديدية التي يوضع عليها الحديد لتطويعه بالمطرقة. كانت مثبتتا فوق جذع خشبي تتوسط الورشة التقليدية. و تنقسم الزبرة إلى نوعين ؛ الكبيرة و التي تكون عادة في الورشة و يصعب نقلها و أخرى صغيرة متنقلة يستعملها الحداد التقليدي عند تنقله بين قرى الواحات قديما. إذا لم يقتصر عمل الحداد التقليدي فالورشة فقط ، فقد كان بخلاف ' حانوته ' الذي يكون عادة في ' رحبة أو بطحاة الحي ' يتنقل إلى القرى المجاورة حاملا سندانه الصغير و بعض معداته كالمطرقة و بعض الفحم. و كان يختار نقطة دالة كالعيون أو مجاري المياه المياه العذبة في الواحة ليلتحق به من يحتاج إلى صنع أو صيانة معدّاته..حدثنا عم صالح فقال :
قبل كنا نمشو للقرى المجاورة و نهزو معانا الزبرة الصغيرة ، نختارو نقطة دالّة ، عين أو مشرع متاع عين و تبدا الناس هاو الحداد جيا ولي عنده حاجة يحب يخدمها يجي ... و نتعدُّو على بهيّم و كل مرة نتحولو لبلاصة..