الجلوة الصفاقسية


سنتعرّض في تراثي التونسي إلى حفلة  ليلة الجلوة  الصفاقسية و سنرافق " الصنّاعة "  المكلّفة بإعداد العروس في غرفة مخصصة لها  كما أشار إلى ذلك في كتاب " معجم الكلمات و التقاليد الشعبية بصفاقس " و ثم و بعد الانتهاء من ذلك و قد قدمت المدعوات تخرج العروس لتقف على المنصة رفقة الصنّاعة و الدتها الممسكة بيدها لتتجلّى وعلى وجهها الطلسة الذهبية الساحرة و حولها المحتفلات الرافلات في الجباب الحريرية و قد علا رؤوسهن وصدورهن الذهب.
ينطلق الحفل فتدق الدفوف و يرتفع صوت الصناعة الناعم يردد أهازيج الجلوة العذبة:


الله كريم. الله كريم. الله ينصر. الله يعين. يا ناس قيموا عينيكم. ماتراوا ذراريكم. هذي خليقة مولاكم. هذي العروسة حسن وزين. بيضاء واتاها الحمير…
يا بركة الصالحين. عندنا قنديل ضاوي… ولاك ولاك… ست العرايس هي…


تتوجه أنظار الحاضرات نحن العروس و هن مزغردات يجدن بقطع الفضة النقدية  تباعا وتسمى عملية الرشقان فيزداد صوت الصنّاعة طربا ويتهلل وجهها ابتهاجا مما ستحصل عليه من نصيب من هذه العملية.
تدير الصنّاعة العروس في مكانها على مهل دورتين ثم ترفع الطلسة عن وجهها الذي يظهر تحت الكوفية متهللا أخاذا كالبدر ليلة تمامه: جبين مضمخ بالعطر مشرق كأنوار الفجر، حاجبان أزجان جذابان اسودّا بلون الحرقوس الجميل الفاحم، وجنتان مورّدتان زادتهما الغبرة الحمراء العطرة تورّدا وسحرا، شفتان قرمزيتان مغريتان تحرص الصنّاعة أن تظلا مضمومتين إبرازا لظرف الفم وحلاوته، جيد لامع كالعاج تطوقه العقود الذهبية لألاءة لطيفة الوسوسة.
الكل في انتظار العريس وما إن يحل ركبه البهيج مع أهله من النسوة فتسمع لخلاخيلهن الذهبية رنين ساحر وتعلو موجة من الزغاريد ويفسح لهن الطريق ويجلسن قبالة المنصة  يتوسطهن العريس. تأخذ الصنّاعة بيد العروس وتديرها متمهلة رافعة صوتها بأهازيجها التقليدية الحلوة والنقود الفضية لا تنفك تتساقط . يتواصل الحفل إلى وقت متأخر و في الأخير تأخذ الصنّاعة العروس إلى غرفتها ويعود العريس من حيث أتى مع أهله مشيعين بالزغاريد وطلقات البارود.

المرجع :
مقتطف من كتاب “كان يا مكان في صفاقس ” لمحمد الحبيب السلامي.
”معجم الكلمات و التقاليد الشعبية بصفاقس” ليوسف الشرفي و علي الزواري